
بغداد – شبكة بغداد
في الوقت الذي تعتمد فيه دول العالم أنظمة صارمة لتنظيم استخدام البنى التحتية من قبل شركات الإنترنت، يكشف ملف أعمدة الكهرباء في العراق عن فجوة خطيرة بين ما ينبغي أن يكون، وما هو قائم فعلاً على الأرض.
العالم يجبي… والعراق يُهدر
في الولايات المتحدة وأوروبا ومعظم دول الخليج، لا يمكن لأي شركة إنترنت تمرير كابل واحد عبر أعمدة الكهرباء أو الأنفاق الحكومية دون عقد رسمي ورسوم سنوية محددة تُعرف عالميًا باسم Pole Attachment Fee.
هذه الرسوم تتراوح بين 5 إلى 15 دولارًا للعمود الواحد سنويًا، وتذهب مباشرة إلى شركات الكهرباء أو البلديات، بهدف:
- حماية المال العام
- ضمان عدم استغلال أملاك الدولة مجانًا
- تنظيم استخدام الأعمدة والبنى التحتية
- توفير مورد اقتصادي ثابت للخزينة
بلدان مثل الإمارات والسعودية حولت هذه الآلية إلى مصدر دخل حكومي مستدام، حيث يخضع كل متر كابل وكل نقطة تثبيت إلى رسوم معلنة وموثقة.
أما في العراق… فالصورة مختلفة تمامًا
للسنة الأخيرة 2025، ما زالت شركات الإنترنت – وفي مقدمتها إيرثلنك – تمرر كوابلها عبر أعمدة الكهرباء الحكومية دون وجود آلية واضحة لتحصيل الإيجارات أو الرسوم.
ووفق تقديرات فنية، يبلغ عدد الأعمدة في العراق نحو 30 مليون عمود. ولو احتسبت رسوم بسيطة تبلغ 2,800 دينار فقط للعمود شهريًا، فإن الخسارة تصبح:
84 مليار دينار شهريًا
أكثر من تريليون دينار سنويًا
وهي أرقام تعكس حجم الهدر المباشر في موارد الدولة نتيجة عدم تفعيل نظام الإيجار أو عقود المشاركة كما تفعل دول العالم.
استخدام مجاني… وأرباح بالدولار
في المقابل، تستفيد الشركات من هذه البنى التحتية بوصفها ملكًا خاصًا، وتتمدّد في المدن والمحافظات عبر الأعمدة الحكومية، بينما تجبي أجور الإنترنت من المواطنين بالدولار، من دون أن تدفع للدولة مقابلاً مناسبًا لاستخدام المال العام.
ملف يحتاج إلى مراجعة شاملة
خبراء القطاع يؤكدون أن تأخر وزارة الاتصالات ووزارة الكهرباء في تنظيم هذا الملف فتح الباب أمام استباحة واسعة للبنى التحتية، وأصبح من الضروري:
- مراجعة اتفاقيات الاستخدام
- فرض الرسوم القانونية بأثر رجعي
- وضع ضوابط هندسية واضحة
- إلزام الشركات بالعقود أسوة بدول العالم
خلاصة المشهد
كل عمود لا يُستحصَل إيجاره هو خسارة مباشرة لبيت المال،
وكل كابل يُمرر بلا عقد هو ثغرة فساد معلّقة بانتظار المعالجة.
العراق يمتلك بنية تحتية يمكن أن تتحول إلى مصدر مالي ضخم للدولة، لكن استمرار الوضع الحالي يبقي هذه الموارد خارج الإطار القانوني، ويجعل المال العام عرضة للهدر دون محاسبة.
شبكة بغداد ستواصل متابعة هذا الملف ووضع مستجداته أمام الرأي العام.
